فصل: خلافة المسترشد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.خلافة المسترشد:

وهو تاسع عشرينهم، ولما توفي المستظهر بويع ولده المسترشد بالله أبو منصور فضل بن أحمد المستظهر، وأخذ البيعة على الناس للمسترشد. القاضي أبو الحسن الدامغاني.
ذكر غير ذلك:
وفي هذه السنة توفي أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده الأصفهاني المحدث المشهور، وله في الحديث تصانيف حسنة. وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن الخازن وكان أديباً وله شعر حسن. وفيهما قتل أرسلان شاه ابن مسعود السبكتكيني قتله أخوه بهرام شاه بن مسعود، واستقر بهرام شاه في ملك غزنة، حسبما قدمنا ذكره في سنة ثمان وخمسمائة:
ثم دخلت سنة ثلاث عشر وخمسمائة:
فيها سار السلطان سنجر إلى حرب ابن أخيه السلطان محمود، والتقيا بالري بالقرب من ساوة، فانهزم محمود. ونزل السلطان سنجر في خيامه، ثم وقع الصلح بينهما، على أن يخطب للسلطان سنجر ثم بعده للسلطان محمود، واستولى سنجر على الري وأضافها إلى ما بيده، وقدم السلطان محمود إلى عمه السلطان سنجر بالري فأكرمه سنجر وأحسن إليه.
ذكر غير ذلك:
فيها كانت وقعة بين أيلغازي بن أرتق، وبين الفرنج، بأرض حلب، فهزم الفرنج وقتل منهم عدة كثيرة، وأسر عدة، وكان فيمن قتل، سرجال صاحب أنطاكية، ثم سار أيلغازي وفتح عقيب الوقعة الأثارب وزردنا. وكانت الوقعة في منتصف ربيع الأول عند عفرين، ومما مدح أيلغازي به بسبب هذه الوقعة.
قل ما تشاء فقولك المقبول ** وعليك بعد الخالق التعويل

واستبشر القرآن حين نصرته ** وبكى لفقد رجاله الإنجيل

وفي هذه السنة سار جوسلين صاحب تل باشر إلى، بلاد دمشق ليكبس العرب بني ربيعة، وأميرهم إذ ذاك مر بن ربيعة، فتقدم عسكر جوسين قدامه، فضل جوسلين عنهم، ووقع عسكره على العرب. وجرى بينهم قتال شديد انتصر فيه مر بن ربيعة، وقتل وأسر من الفرنج عدة كثيرة.
ذكر غير ذلك:
في هذه السنة أمر السلطان سنجر بإعادة بهروز إلى شحنكية العراق، فعاد إليها. وفيها ظهر قير إبراهيم الخليل، وقبور ولديه إسحاق ويعقوب عليهم السلام بالقرب من بيت المقدس، ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم، وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة، قال ابن الأثير مؤلف الكامل: هكذا ذكره حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي في تاريخه.
ثم دخلت سنة أربع عشرة وخمسمائة:
ذكر الحرب بين السلطان محمود وأخيه مسعود:
كان مسعود ابن السلطان محمد له الموصل وأذربيجان، فكاتب دبيس بن صدقة، جيوش بك أتابك مسعود، يشير عليه بطلب السلطنة لمسعود، ووعده دبيس بأن يسير إليه وينجده وكان غرض دبيس أن يقع بين محمود ومسعود، لينال دبيس علو المنزلة، كما نالها، أبوه صدقة، بسبب وقوع الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد. فأجاب مسعود إلى ذلك، وخطب لنفسه بالسلطنة، وجمع عسكره وسار إلى أخيه محمود والتقوا عند عقبة أستراباذ، منتصف ربيع الأول من هذه السنة واشتد القتال بينهم، فانهزم مسعود وعسكره، ولما انهزم مسعود اختفى في جبل، وأرسل يطلب من أخيه محمود الأمان فبذله له، وقدم مسعود إلى أخيه محمود فأمر محمود بخروج العسكر إلى تلقيه، ولما التقيا اعتنقا وبكيا، وبالغ محمود في الإحسان إلى أخيه مسعود، وفى له، ثم قسم جيوش بك أتابك مسعود على محمود فأحسن إليه أيضاً، وأما دبيس بن صدقة، فإنه لما بلغه انهزام مسعود أخذ في إفساد البلاد ونهبها، وكاتبه محمود فلم يلتفت إليه. فسار السلطان محمود إليه، ولما قرب منه خرج دبيس عن الحلة والتجأ إلى أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين، ثم اتفق الحال على أن يرسل دبيس أخاه منصوراً رهينة، ويعود إلى الحلة، فأجيب إلى ذلك.
وفي هذه السنة خرجت الكرج إلى بلاد الإسلام وملكو تقليس بسيف، وقتلوا ونهبوا من المسلمين شيئاً كثيراً.
وفي هذه السنة أيضاً جمع أيلغازي التركمان وغيرهم، والتقى مع الفرنج عند ذات البقل، من بلد سرمين، وجرى بينهم، قتال شديد، فانتصر أيلغازي وانهزم الفرنج.
ذكر ابتداء أمر محمد بن تومرت وملك عبد المؤمن:
كان محمد بن عبد الله بن تومرت العلوي الحسيني من قبيلة من المصامدة، من أهل جبل السوس، من بلاد المغرب، فرحل ابن تومرت إلى بلاد المشرق في طلب العلم، وأتقن علم الأصولين والعربية، والفقه والحديث، واجتمع بالغزالي والكيا الهراسي في العراق، واجتمع بأبي بكر الطرطوشي بالإسكندرية، وقيل إنه لم يجتمع بالغزالي. ثم حج ابن تومرت وعاد إلى المغرب، وأخذ في الإنكار على الناس وإلزامهم بإقامة الصلوات وغير ذلك من أحكام الشريعة، وتغيير المنكرات، ولما وصل إلى قرية اسمها ملالة بالقرب من بجاية اتصل به عبد المؤمن بن علي الكومي، وتفرس ابن تومرت النجاية في عبد المؤمن المذكور، وسار معه، وتلقب ابن تومرت بالمهدي. واستمر المهدي المذكور على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصل الى مراكش، وشدد في النهي عن المنكرات وكثرت أتباعه، وحسنت ظنون الناس به، ولما اشتهر أمره استحضره أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بحضرة الفقهاء فناظرهم وقطعهم، وأشار بعض وزراء علي بن يوسف بن تاشفين عليه بقتل ابن تومرت المهدي وقال: والله ماغرضه النهي عن المنكر والأمر بالمعروف بل غرضه التغلب على البلاد، فلم يقبل علي ذلك. فقال الوزير: وكان اسمه مالك بن وهيب من أهل قرطبة: فإذا لم تقتله فخلده في الحبس. فلم يفعل، وأمر بإخراجه من مراكش، فسار المهدي إلى أغمات ولحق بالجبل واجتمع عليه الناس وعرفهم أنه هو المهدي الذي وعد النبي صلى الله عليه وسلم بخروجه، فكثرت أتباعه واشتدت شوكته، وقام إليه عبد المؤمن بن علي في عشرة أنفس، وقالوا له: أنت المهدي، وبايعوه على ذلك وتبعهم غيرهم، فأرسل أمير المسلمين علي إليه جيشاً فهزمه المهدي، وقويت نفوس أصحابه، وأقبلت إليه القبائل يبايعونه وعظم أمره، وتوجه إلى جبل عند تينمليل واستوطنه، ثم إن المهدي رأى من بعض جموعه قوماً خافهم.
فقال: إن الله أعطان نوراً أعرف به أهل الجنة من أهل النار، وجمع الناس إلى رأس جبل، وجعل يقول: عن كل من يخافه هذا من أهل النار، فيلقى من رأس الشاهق ميتاً، وكل من لا يخافه، هذا من أهل الجنة ويجعله عن يمينه، حتى قتل خلقاً كثيراً واستقام أمره وأمن على نفسه. وقيل: إن عدة الذين قتلهم سبعون ألفاً وسمي عامة أصحابه الداخلين في طاعته الموحدين، ولم يزل أمر ابن تومرت المهدي يعلو، إلى سنة أربع وعشرين وخمسمائة فجهز جيشاً يبلغون أربعين ألفاً فيهم الونشريسي وعبد المؤمن إلى مراكش، فحصروا أمير المسلمين بمراكش عشرين يوماً، ثم سار متولي سجلماسة بالعساكر للكشف عن مراكش وطلع أهل مراكش وأمير المسلمين واقتتلوا فقتل الونشريبسي، وصار عبد المؤمن مقدم العسكر، واشتد بينهم القتال إلى الليل، فانهزم عبد المؤمن بالعسكر إلى الجبل، ولما بلغ المهدي بن تومرت خبر هزيمة عسكره وكان مريضاً فاشتد مرضه، وسأل عن عبد المؤمن فقالوا سالم، فقال المهدي لم يمت أحد، وأوصى أصحابه باتباع عبد المؤمن وعرفهم أنه هو الذي يفتح البلاد، وسماه أمير المؤمنين، ثم مات المهدي في مرضه المذكور وكان عمره إحدى وخمسين سنة، ومدة ولايته عشر سنين، وعاد عبد المؤمن إلى تينمليل وأقام بها يؤلف قلوب الناس، إلى سنة ثمان وعشرين وخسمائة ثم سار عبد المومن واستولى على الجبال، وجعل أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين ابنه تاشفين بن علي يسير في الوطاة قبالة عبد المؤمن، وفي سنة عائشة تسع وثلاثين سار عسكر عبد المؤمن إلى مدينة وهران، وسار تاشفين إليهم، وقرب الجمعان بعضهم من بعض، فلما كان ليلة تسع وعشرين من رمضان من هذه السنة وهي ليلة يعظمها المغاربة، سار تاشفين في جماعة يسيرة متخفياً. ليزور مكاناً على البحر، فيه متعبدون وصالحون، وقصد التبرك وبلغ الخبر مقدم جيش عبد المؤمن واسمه عمر بن يحيى الهنتماتي، فسار وأحاط بتاشفين بن علي بن يوسف، فركب تاشفين فرسه وحمل ليهرب، فسقط من جرف عال فهلك، وأخذ ميتاً، وعلت جثته على خشبة، وقتل كل من كان معه وتفرق عسكر تاشفين، وسار عبد المؤمن إلى تلمسان وهي مدينتان بينهما شوط فرس، إحداهما اسمها قاروت بها أصحاب السلطان، والأخرى اسمها أفادير فملك عبد المؤمن قاروت أولاً، ثم قرر أمرها وجعل على أفادير جيشاً يحصرها، ثم سار عبد المؤمن إلى فاس وملكها بالأمان في آخر سنة أربعين وخمسمائة ورتب أمرها، ثم سار إلى سلا ففتحها في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وفتح عسكره أفادير بعد حصار سنة، وقتلوا أهلها، ثم سار عبد المؤمن ونازل مراكش، وكان قد مات علي بن يوسف صاحبها، وملك بعده ابنه تاشفين بن علي، ثم ملك بعده أخوه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وهو صبي، فحاصرها عبد المؤمن أحد عشر شهراً وفتحها بالسيف وأمسك الأمير إسحاق وجماعة من أمراء المرابطين وجعل إسحاق يرتعد ويسأل العفو عنه، ويدعو لعبد المؤمن ويبكي، فقال له سير وهو من أكبر أمراء المرابطين وكان مكتوفاً: تبكي على أبيك وأمك، اصبر صبر الرجال، وبزق في وجه إسحاق، ثم قال عبد المؤمن إن هذا الرجل لا يدين الله بدين، فنهض الموحدون وقتلوا سير المذكور بالخشب، وقدم إسحاق على صغر سنه فضربت عنقه، سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وهو آخر ملوك المرابطين،. وبه انقرضت دولتهم، وكانت مدة ملكهم ثمانين سنة، لأن يوسف بن تاشفين حكم في سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وانقرضت دولتهم في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وولى منهم أربعة: يوسف بن تاشفين وابنه علي بن يوسف وتاشفين بن علي، وإسحاق بن علي. ولما فتح عبد المؤمن مراكش استوطنها وبنى بقصر ملوك مراكش جامعاً وزخرفه، وهدم الجامع الذي بناه يوسف بن تاشفين، وكان ينبغي ذكر هذه الوقائع في مواضعها، وإنما قدمت لتتبع الأحاديث بعضها بعضاً. سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وفتح عسكره أفادير بعد حصار سنة، وقتلوا أهلها، ثم سار عبد المؤمن ونازل مراكش، وكان قد مات علي بن يوسف صاحبها، وملك بعده ابنه تاشفين بن علي، ثم ملك بعده أخوه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وهو صبي، فحاصرها عبد المؤمن أحد عشر شهراً وفتحها بالسيف وأمسك الأمير إسحاق وجماعة من أمراء المرابطين وجعل إسحاق يرتعد ويسأل العفو عنه، ويدعو لعبد المؤمن ويبكي، فقال له سير وهو من أكبر أمراء المرابطين وكان مكتوفاً: تبكي على أبيك وأمك، اصبر صبر الرجال، وبزق في وجه إسحاق، ثم قال عبد المؤمن إن هذا الرجل لا يدين الله بدين، فنهض الموحدون وقتلوا سير المذكور بالخشب، وقدم إسحاق على صغر سنه فضربت عنقه، سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وهو آخر ملوك المرابطين،. وبه انقرضت دولتهم، وكانت مدة ملكهم ثمانين سنة، لأن يوسف بن تاشفين حكم في سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وانقرضت دولتهم في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وولى منهم أربعة: يوسف بن تاشفين وابنه علي بن يوسف وتاشفين بن علي، وإسحاق بن علي. ولما فتح عبد المؤمن مراكش استوطنها وبنى بقصر ملوك مراكش جامعاً وزخرفه، وهدم الجامع الذي بناه يوسف بن تاشفين، وكان ينبغي ذكر هذه الوقائع في مواضعها، وإنما قدمت لتتبع الأحاديث بعضها بعضاً.
ذكر غير ذلك:
وفي هذه السنة أعني سنة أربع عشرة وخمسمائة أغار جوسلين الفرنجي صاحب الرها على جموع العرب والتركمان وكانوا نازلين بصفين، فغنم من أموالهم ومواشيهم شيئاً كثيراً، ثم عاد جوسلين إلى بزاعة فخر بها. وفيها في جمادى توفي أبو سعد عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الإمام ابن الإمام، ولما توفي جلس الناس في البلاد البعيدة لعزائه.
ثم دخلت سنة خمس عشرة وخمسمائة:
ذكر وفاة صاحب إفريقية:
في هذه السنة توفي الأمير علي بن يحيى بن تميم صاحب إفريقية، في ربيع الآخر، وكانت إمارته خمس سنين وأربعة أشهر، وولي بعده ابنه الحسن بن علي وعمره اثنتا عشرة سنة، بعهد من أبيه، وقام بتدبير دولته صندل الخصي، وبقي صندل مدة ومات، وصار مدبر دولته القائد أبا غر بن موفق.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة أقطع السلطان محمود الموصل وأعمالها كالجزيرة وسنجار، للأمير أقسنقر البرسقي. وفيها قتل بمصر أمير الجيوش الأفضل بن بدر الجمالي، وكان قد ركب بمصر ومعه جمع كثير، فتأذى من الغبار، فسار قدامهم ومعه نفران، فوثب عليه ثلاثة بسوق الصياقلة وضربوه بالسكاكين، وأدركهم أصحابه فقتلوا الثلاثة، وحمل الأفضل إلى داره فمات بها وبقي الآمر بأحكام الله الخليفة العلوي صاحب مصر، ينقل من دار الأفضل الأموال ليلاً ونهاراً أربعين يوماً، ووجد له من الأموال والتحف ما لا يحصى، وكان عمر الأفضل سبعً وخمسين سنة وولايته ثمانياً وعشرين سنة، وقيل إن الآمر هو الذي جهز عليه من قتله، ولما قتل الأفضل ولي الآمر بأحكام الله بعده أبا عبد الله البطائحي.
وفيها عصى سليمان بن أيلغازي بن أرتق على أبيه بحلب وكان فيمن حسن له ذلك إنسان من أهل حماة من بيت قرناص، وكان قد قدمه أيلغازي على أهل حلب، فجاراه بذلك، ولما سمع أيلغازي بذلك سار مجدّاً من ماردين وهاجم حلب وقطع يدي ابن قرناص ورجليه وسمل عينيه فمات، وأحضر ولده سليمان وأراد قتله فلحقته رقة الوالد فاستبقاه، وهرب سليمان إلى عند طغتكين بدمشق، واستناب أيلغازي على حلب ابن أخيه واسمه سليمان أيضاً بن عبد الجبار بن أرتق، وعاد أيلغازي إلى ماردين.
وفيها أقطع السلطان محمود ميافارقين للأمير أيلغازي المذكور، وفيها كان بين بلك بن بهرام بن أرتق وبين جوسلين حرب، انتصر فيها بلك وقتل من الفرنج وأسر جوسلين وأسر معه ابن خالته كليام وأسر جماعة من فرسانه المشهورين، وبذل جوسلين في نفسه أموالاً كثيرة فلم يقبلها بلك، وسجنهم في قلعة خرتبرت. وفيها تضعضع الركن اليماني من البيت الحرام شرفه الله تعالى، من زلزلة وانهدم بعضه. وفيها توفي أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري مصنف كتاب المقامات المشهورة، ولد في حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة، وكان إماماً في النحو واللغة، وصنف عدة مصنفات منها: المقامات التي طبق الأرض شهرتها، وكان الذي أمره بتصنيفها أنوشروان بن خالد بن محمد وزير السلطان محمود، فإن الحريري عمل مقامه واحدة على وضع مقامات البديع وعرضها على أنوشروان، وكان الحريري قد أولع بنتف لحيته والعبث بها، وقدم بغداد وسكن في الحريم، ووقع بينه وبين ابن جكينا مهاجاة، ثم نفي الحريري إلى المشان فقال فيه ابن جكينا يهجوه:
شيخ لنا من ربيعة الفرس ** ينتف عثنونه من الهوس

أنطقه الله في المشان وقد ** ألجمه في الحريم بالخرس

والمشان موضع من أعمال بغداد، وكان إذا غضب على شخص نفي إليه، وكان الحريري بصرى المولد والمنشأ وينتسب إلى ربيعة الفرس وخلف ولدين أحدهما عبيد الله، وهو أحد رواة المقامات عن والده، والثاني كان متفقهاً.
وفيها أعني سنة خمس عشرة وخمسمائة قتل مؤيد الدين الحسين بن علي ابن محمد الطغرائي المنشي الدؤلي من ولد أبي الأسود الدؤلي من أهل أصفهان وكان عالماً فاضلاً شاعراً كاتباً منشئاً، خدم السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان وكان متولياً ديوان الطغر، ثم بقي على علو منزلته حتى استوزره السلطان مسعود، وجرى بينه وبين أخيه محمود الحرب، وانهزم مسعود فأخذ الطغرائي أسيراً وقتل صبراً، ومن شعره قصيدته المشهورة التي أولها:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل ** وحلية الفضل زانتي لدى العطل

هكذا ذكره القاضي شهاب الدين. وما الشيخ عز الدين علي بن الأثير فذكر أن قتل الطغرائي كان في سنة أربع عشرة وخمسمائة، وقال عنه السلطان محمود: قد ثبت عندي فساد عقيدته، وأمر بقتله وكان الطغرائي قد جاوز ستين سنة، وكان يميل إلى عمل الكيمياء.
وفيها أعني سنة خمس عشرة وخمسمائة، توفي بمصر علي بن جعفر بن علي محمد، المعروف بابن القطاع النحوي العروضي. وكان أحد الأئمة في علم الأدب واللغة، وله عدة مصنفات، ولد في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
ثم دخلت سنة ست عشرة وخمسمائة:
فيها قتل السلطان محمود جيوش بك، وهو الذي كان قد خرج على السلطان مع مسعود أخي السلطان ولما أمن محمود أخاه جيوش بك وأقطعه أذربيجان، سعت به الأمراء إلى محمود فقتله في رمضان على باب تبريز.
ذكر وفاة أيلغازي:
في هذه السنة في رمضان، توفي أيلغازي بن أرتق، وملك بعده ابنه تمرتاق قلعة ماردين، وملك ابنه سليمان ميافارقين، وكان بحلب ابن أخيه سليمان بن عبد الجبار بن أرتق، فبقي بها حاكماً إلى أن أخذها منه ابن عمه بلك بن بهرام بن رتق. وفيها أقطع السلطان محمود مدينة واسط لأقسنقر. البرسقي، زيادة على ما بيده من الموصل وأعمالها، فاستعمل البرسقي على واسط عماد الدين زنكي بن أقسنقر.
وفيها توفي عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد ومولده سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وكان ثقة حافظاً للحديث.
ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة:
في هذه السنة كان الحرب بين الخليفة المسترشد بالله وبين دبيس بن صدقة، فخرج الخليفة بنفسه، مع من اجتمع إليه، واشتد القتال بينه وبين دبيس، فانهزم دبيس وعسكره، وسار دبيس إلى غزية من العرب فلم يطيعوه فراح إلى المنتفق واتفقوا معه، وسار إلى البصرة، ونهبها، ثم سار دبيس إلى الشام وصار مع الفرنج، وأطمعهم في ملك حلب.
وفيها سلم سليمان بن عبد الجبار بن أرتق حصن الأثارب إلى الفرنج ليهادنوه على حلب، لعجزه عن مقاومتهم. وفيها سار بلك بن بهرام بن أرتق إلى حران وملكهما، ثم بلغه عجز ابن عمه سليمان عن حلب، فسار إلى حلب وملكها في جمادى الأولى.
وفيها استولى الفرنج على خرتبرت وكان بها جوسلين وغيره من الفرنج محبوسين، وخلصوهم من خرتبرت، وكانت لبلك، ثم سار إليها بلك واسترجعهما من الفرنج.
وفيها توفي قاسم بن هاشم العلوي الحسني، أمير مكة، شرفها الله تعالى، وولي بعده ابنه أبو فليتة وفيها سار طغتكين صاحب دمشق إلى حمص، وهجم المدينة ونهبها وحصر صاحبها قيرخان بن قراجا بالقلعة، ثم رحل عنه وعاد إلى دمشق.
وفيها سار الأمير محمود بن قراجا صاحب حماة إلى أفامية، وهجم ربضها فأصابه سهم من القلعة في يده فعاد إلى حماة وعملت عليه يده فمات من ذلك، واستراح أهل حماة من ظلمه، فلما سمع طغتكين الخبر، أرسل إلى حماة عسكراً وملكها، وصارت حماة من جملة بلاده، وفيها توفي أحمد بن محمد بن علي، المعروف بابن الخياط الشاعر الدمشقي وله أشعار فائقة منها قصيدته التي منها:
سلوا سيف ألحاظه الممتشق ** أعند القلوب دم للحدق

من الترك ما سهمه إذ رمي ** بأفتك من طرفه إذ رمق

ومنها:
وللحب ما عزمني وهان ** وللحسن ما جل منه ودق

وكانت ولادته في سنة خمس وأربعمائة بدمشق رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة ثماني عشرة وخمسمائة:
ذكر قتل بلك:
في هذه السنة قتل بلك بن بهرام بن أرتق صاحب حلب، وسببه أنه قبض على الأمير حسان البعلبكي صاحب منبج، وسار إلى منبج فملك المدينة وحصر القلعة، فبينما هو يقاتل إذ أتاه سهم فقتله لا يدري من رماه، فاضطرب عسكره وتفرقوا، وخلص حسان صاحب منبج وعاد إليها وملكها وكان في جملة عسكر بلك ابن عمه تمرتاش بن أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين، فحمل بلك مقتولاً إلى حلب وتسلمها واستقر تمرتاش في ملك حلب في عشرين من ربيع الأول من هذه السنة، ورتب أمرها وعاد إلى ماردين.
وفي هذه السنة ملك الفرنج مدينة صور بعد حصار طويل، وكانت للخلفاء العلويين أصحاب مصر، وكان ملكها بالأمان، وخرج المسلمون منها في العشرين من جمادى الأولى بما قدروا على حمله من أموالهم.
وفيها اجتمعت الفرنج وانضم إليهم دبيس بن صدقة وحاصروا حلب، وأخذوا في بناء بيوت لهم بظاهرها فعظم الأمر على أهلها، ولم ينجدهم صاحبها تمرتاش لإيثاره الرفاهة والدعة، فكاتب أهل حلب أقسنقر البرسقي صاحب الموصل في تسلميها إليه، فسار إليهم فلما قرب من حلب رحلت الفرنج عنها، وسلم أهل حلب المدينة والقلعة إليه، واستقرت في ملك البرسقي مع الموصل وغيرها.
وفي هذه السنة مات الحسن بن الصباح مقدم الإسماعيلية صاحب الألموت وقد تقدم ذكره في ظهوره في سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة:
في هذه السنة سار البرسقي إلى كفر طاب وأخذها من الفرنج، ثم سار إلى أعزاز وكانت لجوسلين، فاجتمعت الفرنج لقتاله، فاقتتلوا فانهزم البرسقي، وقتل من المسلمين خلق كثير.
وفيها مات سالم بن مالك بن بدران بن المقلد بن المسيب صاحب قلعة جعبر وملكهما بعده ابنه مالك بن سالم.
ثم دخلت سنة عشرين وخمسمائة:
ذكر مقتل البرسقي:
في هذه السنة ثامن ذي القعدة، قتلت الباطنية قسيم الدولة أقنسقر البرسقي صاحب الموصل يوم الجمعة في الجامع بالموصل، وهو في الصلاة، فوثب عليه منهم بضعة عشر نفساً، وكان البرسقي مملوكاً تركياً شجاعاً ديناً حسن السيرة، من خيار الولاة، رحمه الله تعالى، وكان ابنه عز الدين مسعود في حلب، فلما بلغه قتل أبيه سار إلى الموصل واستقر في ملكها.
ذكر الحرب بين طغتكين والفرنج:
في هذه السنة اجتمعت الفرنج وقصدوا دمشق، نزولاً في مرج الصفر عند قرية شقحب، وأرسل طغتكين وجمع التراكمين وغيرهم، وخرج إلى الفرنج والتقى معهم في أواخر ذي الحجة، وكان مع طغتكين رجالة كثيرة من التركمان واشتد القتال، فانهزم طغتكين والخيالة؛ وتبعهم الفرنج، ولم يقدر رجالة التركمان على الهرب، فقصدوا مخيم الفرنج وقتلوا كل من وجدوه من الفرنج، ونهبوا أموال الفرنج وأثقالهم، وسلموا بذلك. ولما عاد الفرنج من وراء المنهزمين وجدوا أثقالهم وخيمهم قد نهبت فانهزم أيضاً وفيها حصر الفرنج رفنية وملكوها وفيها توفي أبو الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ أخو أبي حامد الغزالي، وكانت له كرامات. وقد ذمه أبو الفرج ابن الجوزي بأشياء كثيرة، منها روايته في وعظه الأحاديث التي ليست بصحيحة. وكان من الفقهاء، غير أنه مال إلى الوعظ فغلب عليه، واختصر كتاب أخيه إحياء علوم الدين في مجلد وسماه لباب الأحياء
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وخمسمائة:
في هذه السنة ولى السلطان محمود شحنكية العراق عماد الدين زنكي بن أقنسقر مضافاً إلى ما بيده من ولاية واسط وفيها سار السلطان محمود عن بغداد وفي هذه السنة سار صاحب الموصل مسعود بن أقسنقر البرسقي إلى الرحبة واستولى عليها؛ ومرض وهو محاصرها؛ ومات مسعود يوم تسليم الرحبة إليه، وقام بالأمر بعد مسعود مملوك البرسقي اسمه جاولي أقام أخاً لمسعود صغيراً في الملك؛ وأرسل إلى السلطان محمود يسأله في توليته فلم يجب إلى ذلك، وولى على الموصل عماد الدين زنكي بن أقسنقر، فسار عماد الدين من بغداد ورتب أمر الموصل، وأقطع جاولي مملوك البرسقي المذكور مدينة الرحبة، ثم سار عماد الدين واستولى على نصيبين وسنجار وحران وجزيرة ابن عمر. وفيها ولي السلطان محمود شحنكية العراق لمجاهد الدين بهروز بعد مسير عماد الدين زنكي عنها إلى الموصل. وفيها توفي محمد بن عبد الملك بن إبراهيم الفرضي الهمذاني صاحب التاريخ. وفيها توفي ظهير الدين إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط، وملك بعده أخوه أحمد بن سكمان، وبقي عشرة أشهر، وتوفي أحمد المذكور؛ فحكمت والدة إبراهيم وأحمد المذكورين؛ وهي إينانج خاتون بنت أركمان؛ وأقامت في المملكة معها ولد ولدها؛ وهو سكمان بن إبراهيم بن سكمان؛ وعمره حينئذ ست سنين، واستبدت إينانج بالحكم حسبما تقدم ذكره في سنة ست وخمسمائة
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة:
ذكر ملك عماد الدين زنكي حلب:
كانت حلب للبرسقي وكان بها ولده مسعود، فلما قتل البرسقي وسار مسعود إلى الموصل استخلف على حلب أميراً اسمه قومار، كذا رأيته مكتوباً، وصوا به قيماز، ثم استخلف مسعود على حلب قتلغ بعد قيماز؛ فاستولى على حلب بعد موت مسعود على الرحبة كما ذكرنا، وأساء قتلغ السيرة، وكان مقيماً بحلب سليمان بن عبد الجبار بن أرتق الذي كان صاحبها أولاً، فاجتمع أهل حلب عليه لسوء سيرة قتلغ وملكوه مدينة حلب، وعصى قتلغ في القلعة؛ وسمع الفرنج باختلاف أهل حلب؛ فسار إليهم جوسلين فصالحوه بمال فرحل عنهم، وكان قد استقر عماد الدين زنكي في ملك الموصل؛ فأرسل عسكراً مع بعض قواده واسمه قراقوش إلى حلب ومعه توقيع السلطان محمود بالشام، فأجاب أهل حلب إليه، وتقدم عسكر عماد الدين إلى سليمان وقتلغ بالمسير إلى عماد الدين زنكي، فسار إليه إلى الموصل، فلما وصلا إلى عماد الدين زنكي أصلح بين سليمان وقتلغ ولم يرد واحداً منهما إلى حلب، وسار عماد الدين إلى حلب وملك في طريقه منبج وبزاغة، وطلع أهل حلب إلى تلقيه واستبشروا بقدومه، فدخل عماد الدين البلد ورتب أموره، ثم إن عماد الدين قبض على قتلغ وكحله فمات، وكان ملك عماد الدين زنكي حلب وقلعتها في المحرم من هذه السنة.
ذكر غير ذلك:
وفي هذه السنة سار السلطان سنجر من خراسان إلى الري ومعه دبيس بن صدقة، وكان قد سار إلى سنجر واستجار به، فلما وصل سنجر إلى الري أرسل يستدعي ابن أخيه السلطان محمود، فحضر محمود إلى عمه سنجر فأكرمه سنجر وأجلسه معه على السرير، وأمره بالإحسان إلى دبيس وإعادته إلى بلده، فامتثل السلطان محمود ذلك، وعاد سنجر إلى خراسان وفيها في صفر مات طغتكين صاحب دمشق، وهو من مماليك تنش بن ألب أرسلان، وكان طغتكين عاقلاً خيراً، وكان لقبه ظهير الدين، ولما توفي ملك دمشق بعده ابنه تاج الملوك توري بن طغتكين بعهد من والده، وكان توري أكبر أولاده. ثم دخلت ثلاث وعشرين وخمسمائة وفيها عاود دبيس العصيان على السلطان والخليفة، وترددت بينهم الرسل، فلم يحصل الصلح، فسار السلطان محمود إلى بغداد وجهز جيشاً كثيفاً في أمر دبيس، فعبر دبيس البرية بعد أن نهب البصرة وأموال الخليفة والسلطان.
ذكر أخبار الإسماعلية بالشام وقتلهم وحصر الفرنج دمشق:
كان قد سار رجل من الإسماعلية يسمى بهرام، بعد قتل خاله إبراهيم الأسترابادي ببغداد، إلى الشام، ودخل دمشق، ودعى الناس إلى مذهبه. وأعانه وزير توري صاحب دمشق، وهو طاهر ابن معد المزدغاني وسلم إلى بهرام قلعة بانياس، فعظم أمر بهرام بالشام، وملك عدة حصون بالجبال، وجرى بين بهرام وبين أهل وادي النيم مقاتلة فقتل فيها بهرام، وقام مقامه بقلعة بانياس رجل منهم يسمى إسماعيل.
وأقام الوزير المزدغاني عوض بهرام بدمشق رجلاً منهم تسمى أبا الوفا، وعظم أمر أبي الوفا حتى صار الحكم له بدمشق، فكاتب أبو الوفا الفرنج، على أن يسلم إليهم دمشق، ويسلموا إليه عوضها مدينة صور، واتفقوا على ذلك. وأن يكون قدوم الفرنج إلى دمشق يوم الجمعة، ليجعل أبو الوفا أصحابه على أبواب جامع دمشق. وعلم تاج الملوك توري صاحب دمشق بذلك، فاستدعى وزيره المزدغاني وقتله، وأمر بقتل الإسماعلية الذين بدمشق، فثأر بهم أهل دمشق، وقتلوا من الإسماعلية ستة آلاف نفر، ووصل الفرنج إلى الميعاد وحصروا دمشق، فلم يظفروا بشيء، وكان البرد والشتاء شديداً، فرحلوا عن دمشق شبه المنهزمين، وخرج توري بعسكر دمشق في إثرهم، وقتلوا منهم عدة كثيرة، وأما إسماعيل الباطني الذي كان في قلعة بانياس، فإنه سلم قلعة بانياس إلى الفرنج وصار معهم.
ذكر ملك عماد الدين زنكي حماة:
في هذه السنة ملك عماد الدين زنكي حماة، وسببه أنه كان بحماة سونج بن توري نائباً بها عن أبيه توري، وكان قد سار عماد الدين زنكي من الموصل إلى جهة الشام، وعبر الفرات، وأرسل إلى توري يستنجده على الفرنج، فأرسل توري إلى ولده سونج بحماة يأمره بالمسير إلى عماد الدين زنكي، فسار سونج إليه، فغدر عماد الدين زنكي بسونج، وقبض عليه، وارتكب أمراً شنيعاً من الغدر، ونهب خيامه والعسكر الذين كانوا صحبته، واعتقل سونج وجماعة من مقدمي عسكره بحلب، ولما قبض عماد الدين زنكي على سونج، سار من وقته إلى حماة وملكها، لخلوها من الجند. ثم رحل عنها إلى حمص وحاصرها مدة، وكان قد غدر أيضاً بصاحبها قيرخان بن قراجا وقبض عليه، وأحضره صحبته إلى حمص ممسوكاً، وأمره أن يأمر ابنه وعسكره بتسليم حمص. فأمرهم قيرخان، فلم يلتفتوا إليه، فلما أيس زنكي منها رحل عنها عائداً إلى الموصل، واستصحب سونج وأمراء دمشق معه، واستمر بهم معتقلين، وكتب توري إليه، وبذل له مالاً في ابنه سونج فلم يتفق له حال.
ذكر غير ذلك:
وفي هذه السنة ملك الفرنج حصن القدموس. وفيها توفي أبو الفتح أسعد بن أبي نصر، الفقيه الشافعي، مدرس النظامية، وله طريقة مشهورة في الخلاف، وكان له قبول عظيم عند الخليفة والناس.
وفيها توفي الشريف حمزة بن هبة الله بن محمد العلوي الحسيني النيسابوري، سمع الحديث الكثير ورواه. ومولده سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وجمع بين شرف النسب وشرف النفس، والتقوى، وكان زيدي المذهب.
ثم دخلت سنة أربع وعشرين وخمسمائة:
ذكر فتح الأثارب:
فيها جمع عماد الدين زنكي عساكره وسار من الموصل إلى الشام، وقصد حصن الأثارب لشدة ضرره على المسلمين، فإن أهله الفرنج كانوا يقاسمون أهل حلب على جميع أعمال حلب الغربية، حتى على رحى بظاهر باب الجنان، بينها وبين سور حلب عرض الطريق. وأظن أن اسمها العريبة، وكان أهل حلب معهم في ضيق شديد، فسار عماد الدين إليه ونازله، وجمع الفرنج فارسهم وراجلهم وقصدوا عماد الدين، فرحل عماد الدين عن الأثارب وسار إلى ملتقاهم، فالتقوا واقتتلوا أشد قتال، ونصر الله المسلمين وانهزم الفرنج، ووقع كثير من فرسانهم في الأسر، وكثر القتل فيهم ولما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا إلى الأثارب فأخذوه عنوة، وقتلوا وأسموا كل من فيه، وخرب عماد الدين في ذلك الوقت حصن الأثارب المذكور، وجعله دكاً وبقي خراباً إلى الآن.
ذكر وفاة الآمر بأحكام الله العلوي:
في هذه السنة في ذي القعدة قتل الآمر بأحكام الله العلوي أبو علي منصور بن المستعلي أحمد بن المستنصر معد العلوي صاحب مصر، وكان قد خرج إلى مستنزه له، فلما عاد وثب عليه الباطنية فقتلوه، وكانت ولايته تسعاً وعشرين سنه وخمسة أشهر وخمسة عشر يوماً. وعمره أربعاً وثلاثين سنة.
وهو العاشر من ولد المهدي عبيد الله. وهو العاشر من الخلفاء العلويين. ولما قتل الآمر لم يكن له ولد، فولى بعده ابن عمه الحافظ، عبد المجيد بن أبي القاسم بن المستنصر بالله، ولم يبايع أولاً بالخلافة، بل كان على صورة نائب لانتظار حمل إن ظهر للآمر.
ولما تولى الحافظ، استوزر أبا علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي، فاستبد بالأمر، وتغلب على الحافظ وحجر عليه، ونقل أبو علي ما كان بالقصر من الأموال إلى داره، ولم يزل الأمر كذلك إلى أن قتل أبو علي سنة ست وعشرين على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر غير ذلك:
في هذه السنة كان الرصد في دار السلطنة شرقي بغداد، تولاه البديع الإسطرلابي ولم يتم. وفي هذه السنة ملك السلطان مسعود قلعة ألموت. وفيها توفي إبراهيم بن عثمان بن محمد الغزي عند قلعة بلخ ودفن فيها، وهو من أهل غزة، ومولده سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وهو من الشعراء المجيدين فمن قصائده المشهورة قصيدته التي مدح فيها الترك التي أولها:
أمط عن الدرر الزهر اليواقيتا ** وأجعل لحج تلاقينا مواقيتا

ومنها:
في فتية من جيوش الترك ما تركت ** للرعد كراتهم صوتاً ولا صيتا

قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ** حسناً وإن قوتلوا كانوا عفاريتا

ثم ترك الغزي قول الشعر وغسل كثيراً منه وقال:
قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة ** باب البواعث والدواعي مغلق

خلت البلاد فلا كريم يرتجى ** منه النوال ولا مليح يعشق

ومن العجائب أنه لا يشترى ** ويخان فيه مع الكساد ويسرق

ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة:
فيها أسر دبيس بن صدقة وسبب ذلك مسيره من العراق إلى صرخد، لأن صرخد كان صاحبها خصياً، وكانت له سرية، فتوفي الخصي في هذه السنة، واستولت سريته على قلعة صرخد وما فيها، وعلمت أنه لا يتم لها ذلك إن لم تتصل برجل يحميها، فأرسلت إلى دبيس ابن صدقة تستدعيه للتزوج به، وتسلم إليه صرخد وما فيها من مال وغيره.
فسار دبيس من العراق إليها، فضل به الأدلاء بنواحي دمشق، فنزل بناس من كلب كانوا شرقي الغوطة، فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك توري بن طغتكين صاحب دمشق، في شعبان من هذه السنة، فحبسه توري، وسمع عماد الدين زنكي بأسر دبيس، فأرسل إلى توري يطلبه، ويبذل له إطلاق ولده سونج ومن معه من الأمراء الذين غدر بهم زنكي وقبضهم. كما تقدم ذكره.
فأجاب توري إلى ذلك، وأفرج زنكي عن المذكورين، وتسلم دبيس، فأيقن دبيس بالهلاك، لأنه كان كثير الوقيعة في عماد الدين زنكي، ففعل معه الزنكي بخلاف ما كان يظن، وأحسن إلى دبيس، وحمل إليه الأموال والسلاح والدواب، وقدمه على نفسه، ولم يزل دبيس مع عماد الدين زنكي حتى انحدر معه إلى العراق على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، وسمع الخليفة المسترشد بقبض دبيس، فأرسل يطلبه مع سديد الدولة ابن الأنباري، وأبي بكر بن بشر الجزري. فأمسكهما عماد الدين زنكي، وسجن ابن الأنباري، ووقع منه في حق ابن بشر مكروه قوي، ثم شفع المسترشد في ابن الأنباري فأطلقه.
ذكر وفاة السلطان محمود وملك ابنه داود:
في هذه السنة في شوال، توفي السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق بهمدان. فأقعد وزيره أبو القاسم النساباذي. ابنه داود بن محمود في السلطنة، وصار أتابكه أقسنقر الأحمديلي. وكان عمر السلطان محمود لما توفي، نحو سبع وعشرين سنة، وكانت ولايته السلطنة اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يوماً، وكان حليماً عاقلاً يسمع المكروه ولا يعاقب عليه، مع قدرته عليه.
ذكر غير ذلك:
في هذه السنة وثب الباطنية على تاج الملوك توري بن طغتكين صاحب دمشق. فجرحوه جرحين، برئ أحدهما وبقي الآخر ينسر عليه، إلا أنه يجلس للناس ويركب على ضعف فيه. وفيها توفي حماد بن مسلم الرحبي الرياشي الزاهد المشهور، صاحب الكرامات، وسمع الحديث، وله أصحاب وتلاميذ كثيرة، وكان أبو الفرج ابن الجوزي يذمه ويثلبه.
ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة:
فيها قتل أبو علي بن الفضل بن بدر الجمالي، وزير الحافظ لدين الله العلوي. وكان أبو علي المذكور قد حجر على الحافظ، وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة، وقطع من الأذان، حي على خير العمل، فنفرت منه قلوب شيعة العلويين، وثار به جماعة من المماليك، وهو يلعب الكرة فقتلوه، ونهبت داره.
وخرج الحافظ من الاعتقال ونقل ما بقي في دار أبي علي إلى القصر، وبويع الحافظ في يوم قتل أبي علي بالخلافة، واستوزر أبا الفتح يانس الحافظي، وبقي يانس مدة قليلة ومات، فاستوزر الحافظ ابنه الحسن بن الحافظ، وخطب له بولاية العهد، ثم قتل الحسن المذكور سنة تسع وعشرين وخمسمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفي هذه السنة تحرك السلطان مسعود بن محمد في طلب السلطنة وأخذها من ابن أخيه داود ابن محمود، وكذلك تحرك سلجوق بن محمد صاحب فارس، أخو مسعود، وأتابكه قراجا الساقي، في طلب السلطنة، وقدم سلجوق إلى بغداد، واتفق الخليفة المسترشد معه، واستنجد مسعود بعماد الدين زنكي، فسار إلى بغداد لقتال الخليفة وسلجوق، فقاتله قراجا أتابك سلجوق وانهزم زنكي إلى تكريت، وعبر منها، وكان الدزدار بها إذ ذاك نجم الدين أيوب فأقام له المعابر فعبر عماد الدين وسار إلى بلاده، وكان هذا الفعل من نجم الدين أيوب سبباً للاتصال بعماد الدين زنكي، حتى ملك أيوب البلاد.
ثم اتفق الحال بين مسعود وأخيه سلجوق والخليفة المسترشد على أن تكون السلطنة لمسعود، ويكون أخوه سلجوق شاه ولي عهده، وعادوا إلى بغداد، ونزل مسعود بدار السلطنة وسلجوق بدار الشحنكية، وكان اجتماعهم في جمادى الأولى من هذه السنة، ثم إن السلطان سنجر سار من خراسان ومعه طغريل ابن أخيه السلطان محمد، لأخذ السلطنة من مسعود، وجرى المصاف بينه وبين مسعود وسلجوق، فانهزم مسعود ثم إن السلطان سنجر بذل الأمان لمسعود، فحضر عنده، وكان قد بلغ خونج فلما رآه سنجر قبله وأكرمه وعاتبه وأعاده إلى كنجه، وأجلس الملك طغريل في السلطنة، وخطب له في جميع البلاد، ثم عاد إلى خراسان، فوصل إلى نيسابور في رمضان من هذه السنة.
ذكر الحرب بين المسترشد الخليفة وبين عماد الدين زنكي:
في هذه السنة سار عماد الدين زنكي ومعه دبيس بن صدقة وعدى الخليفة إلى الجانب الغربي، وسار ونزل بالعباسية ونزل عماد الدين بالمنارية من دجيل. والتقيا بحصن البرامكة في سابع وعشرين رجب، فحمل عماد الدين على ميمنة الخليفة فهزمها، وحمل الخليفة بنفسه وبقية العسكر، فانهزم دبيس ثم انهزم عماد الدين، وقتل بينهم خلق كثير.
ذكر وفاة توري صاحب دمشق:
في هذه السنة توفي تاج الملوك بن طغتكين صاحب دمشق، بسبب الجرح الذي كان به من الباطنية، على ما تقدم ذكره، فتوفي في حادي وعشرين رجب وكانت إمارته أربع سنين وخمسة أشهر وأياماً. ووصى بالملك بعده لولده شمس الملوك إسماعيل، ووصى ببعلبك وأعمالها لولده شمس الدولة محمد، وكان توري شجاعاً سد مسد أبيه.
ولما استقر إسماعيل بن توري في ملك دمشق وأعمالها، واستقر أخوه محمد في ملك بعلبك، واستولى محمد على حصن الرأس وحصن اللبوة، وكاتب إسماعيل صاحب دمشق أخاه محمداً صاحب بعلبك في إعادتهما، فلم يقبل محمد ذلك، فسار إسماعيل وفتح حصن اللبوة، ثم حصن الرأس، وقرر أمرهما، ثم سار إلى أخيه محمد وحصره ببعلبك وملك المدينة، وحصر القلعة، فسأله محمد في الصلح فأجابه، وأعاد عليه بعلبك وأعمالها. واستقرت أمورهما، وعاد إسماعيل إلى دمشق مؤيداً منصوراً.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة:
فيها سار شمس الملوك إسماعيل بن توري صاحب دمشق على غفلة من الفرنج إلى حصن بانياس، فملك مدينة بانياس بالسيف، وقتل وأسر من كان بها، وحاصر قلعة بانياس وتسلمها بالأمان.
وفي هذه السنة جمع السلطان مسعود العساكر وانضم إليه ابن أخيه داود بن محمود، وسار السلطان مسعود إلى أخيه طغريل وجرى بينهما قتال شديد، انهزم فيه طغريل، واستولى مسعود على السلطنة، وتبع أخاه طغريل يطرده من موضع إلى موضع، حتى وصل إلى الري. واقتتلا ثانياً فانهزم طغريل أيضاً وأسر جماعة من أمرائه.
وفيها سار الخليفة المسترشد بعساكر بغداد، وحصر الموصل ثلاثة أشهر، وكان عماد الدين زنكي قد خرج من الموصل إلى سنجار، وحصن الموصل بالرجال والذخائر، ثم رحل الخليفة عن الموصل وعاد إلى بغداد ووصل إليها في يوم عرفة، ولم يظفر منها بطائل.
ذكر ملك شمس الملوك إسماعيل مدينة حماة:
وفي هذه السنة، سار إسماعيل بن توري صاحب دمشق من دمشق في العشر الآخر من رمضان إلى حماة، وهي لعماد الدين زنكي، من حين غدر بسونج بن توري وأخذها منه، حسبما تقدم ذكره في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة فحصرها شمس الملوك إسماعيل، وقاتل من بها يوم عيد الفطر، وعاد ولم يملكها فلما كان الغد، بكر إليهم وزحف من جميع جوانب البلد فملكه عنوة، وطلب من به الأمان فأمنهم، وحصر القلعة ولم تكن إذ ذاك حصينة، فإنها حصنت فيما بعد، لأن تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين، قطع جبلها وعملها على ما هي عليه الآن، في سنين كثيرة، فلما حصرها شمس الملوك إسماعيل، وعجز النائب بها عن حفظها، فسلمها إليه، فاستولى عليها وعلى ما بها من ذخائر وسلاح، وذلك في شوال من هذه السنة.، لما فرغ شمس الملوك إسماعيل من حماة، سار إلى شيزر وبها صاحبها من بني منقذ، فنهب بلدها وحصر القلعة، فصالحه صاحبها بمال حمله إليه، فعاد عنها وسار إلى دمشق، ووصل إليها في ذي القعدة من هذه السنة.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة اجتمعت التراكمين وقصدوا طرابلس، فخرج من بها من الفرنج إليهم واقتتلوا، فانهزم الفرنج وسار القومص صاحب طرابلس ومن في صحبته، فانحصروا في حصن بعرين وحصرهم التركمان بها، ثم هرب القومص من الحصن في عشرين فارساً، وخلى بحصن بعرين من يحفظه ثم جمع الفرنج وقصدوا التركمان، ليرحلوهم عن بعرين، فاقتتلوا فانحاز الفرنج إلى نحور فنية وعاد التركمان عنهم.
وفيها اشترى الإسماعلية حصن القدموس من صاحبه ابن عمرون. وفيها وفي ربيع الآخر، وثب على شمس الملوك إسماعيل صاحب دمشق، بعض مماليك جده طغتكين، فضربه بسيف فلم يعمل فيه، وتكاثر على ذلك الشخص مماليك شمس الملوك فقبضوه، وقرره شمس الملوك فقال ما أردت إلا إراحة المسلمين من شرك وظلمك، ثم أقر على جماعة من شدة الضرب، فقتلهم من غير تحقيق، وقتل شمس الملوك إسماعيل أيضاً مع ذلك الشخص أخاه سونج بن توري، الذي كان بحماة وأسره زنكي، على ما تقدم ذكره في سنة ثلاثة وعشرين وخمسمائة، فعظم ذلك على الناس ونفروا من شمس الملوك إسماعيل المذكور.
وفيها توفي علي بن يعلي بن عوض الهروي، وكان واعظاً، وله بخراسان قبول كثير، وسمع الحديث فأكثر. وفيها توفي أبو فليتة أمير مكة، وولي إمارة مكة بعده أبو القاسم.
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وخمسمائة:
فيها في المحرم سار شمس الملوك إسماعيل صاحب دمشق إلى حصن الشقيق، وكان بيد الضحاك بن جندل، رئيس وادي التيم، قد تغلب عليه وامتنع به، فأخذه شمس الملوك منه، وعظم ذلك على الفرنج، وقصدوا بلد حوران، وجمع شمس الملوك الجموع وناوشهم، ثم أغار على بلادهم من جهة طبرية، ففت ذلك في أعضاد الفرنج؛ ورحلوا عائدين إلى بلادهم، ثم وقعت الهدنة بينهم وبين شمس الملوك.
وفي هذه السنة استولى عماد الدين زنكي على جميع قلاع الأكراد الحميدية، منها قلعة العقير، قلعة شوش وغيرهما ثم استولى على قلاع الهكارية وكواشي.
وفيها أوقع ابن دانشمند صاحب ملطية بالفرنج الذين بالشام، فقتل كثيراً منهم. وفيها اصطلح الخليفة المسترشد وعماد الدين زنكي.
ثم دخلت سنة تسمع وعشرين وخمسمائة:
فيها مات السلطان طغريل ابن السلطان محمد، وكان بعد هزيمته من أخيه مسعود، قد استولى على بلاد الجبل فمات في هذه السنة في المحرم، وقيل إن وفاته كانت في أول سنة ثمان وعشرين، وهو الأصح في ظني، وكان مولده سنة ثلاث وخمسمائة في المحرم أيضاً وكان خيراً عاقلاً، ولما بلغ أخاه مسعوداً خبر وفاته، سار نحو همذان، وأقبلت العساكر جميعاً إليه، واستولى على همذان وطاعته البلاد جميعها.
ذكر قتل إسماعيل صاحب دمشق:
في هذه السنة في رابع عشر ربيع الآخر، قتل شمس الملوك إسماعيل بن توري بن طغتكين، وكان مولده في سابع جمادى الآخرة، سنة ست وخمسمائة، قتله على غفلة جماعة باتفاق من والدته، وقد اختلف في سببه فقيل إن الناس لفرط جور إسماعيل المذكور، وظلمه ومصادرته، كرهوه وشكوه لأمه، فاتفقت مع من قتله، وقيل بل إن أمه اتهمت بشخص من أصحاب والده يقال له يوسف بن فيروز، فأراد قتل أمه فاتفقت مع من قتله. وسر الناس بقتله، ولما قتل ملك بعده أخوه شهاب الدين محمود بن توري، وحلف له الناس.
وفيها بعد قتل شمس الملوك، وصل عماد الدين زنكي إلى دمشق، وحصرها وضيق عليها، وقام في حفظ البلد معين الدين أنز مملوك طغتكين، القيام التام الذي تقدم به، واستولى على الأمر بسببه، فلما لم ير زنكي في أخذ دمشق مطمعه اصطلح مع أهلها ورحل عنها عائداً إلى بلاده.
ذكر قتل حسن بن الحافظ لدين الله العلوي:
قد تقدم في سنة ست وعشرين وخمسمائة أن أباه استوزره، فتغلب حسن المذكور على الأمر واستبد به، وأساء السيرة وأكثر من قتل الأمراء وغيرهم ظلماً وعدواناً، وأكثر من مصادرات الناس، فأراد العسكر الإيقاع به وبأبيه، فعلم أبوه الحافظ ذلك، فسقاه سماً فمات، ولما مات حسن، استوزر الحافظ، تاج الدولة بهرام، وكان نصرانياً فتحكم واستعمل الأرمن على الناس، فكان ما سنذكره.
الحرب بين الخليفة المسترشد وبين السلطان مسعود وأسر الخليفة وقتله:
في هذه السنة، كانت الحرب بين الخليفة المسترشد وبين السلطان مسعود، وسببه أن جماعة من عسكر مسعود فارقوه مغاضبين، واتصلوا بالخليفة المسترشد، وهونوا عليه قتال السلطان مسعود، فاغتر بكلامهم وسار من بغداد إلى قتال السلطان مسعود، وسار مسعود إليه واتقعوا عاشر رمضان من هذه السنة، فصار غالب عسكر الخليفة مع مسعود، وانهزم الباقون، وأخذ الخليفة المسترشد أسيراً ونهب عسكره، وأسروا وبقى المسترشد مع مسعود أسيراً، ثم سار به مسعود من همذان إلى مراغة، في شوال، لقتال ابن أخيه داود بن محمود فنزل على فرسخين من مراغة والمسترشد معه في خيمة منفردة، وكان قد اتفق مسعود مع الخليفة على مال يحمله الخليفة إليه وأن لا يعود يخرج من بغداد، واتفق وصول رسول السلطان سنجر إلى مسعود، فركب مسعود والعساكر لملتقاه، فوثبت الباطنية على المسترشد، وهو في تلك الخيمة فقتلوه ومثلوا به، فجدعوا أنفه وأذنيه، وقتل معه نفر من أصحابه، وكان قتل المسترشد يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة بظاهر مراغة، وكان عمره لما قتل ثلاثاً وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوماً. وأمه أم ولد، وكان فصيحاً حسن الخط شهماً.